قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما أطرت النَّصَارَى ابن مريم} والإطراء: هو المبالغة في الثناء، فبعض النَّاس يطري -وإن كَانَ هذا الثناء حق- وينسى الكلمة الفاضلة، فَيَقُولُ: إن سيدنا ومولانا وقائدنا وإمامنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً، بينما لو قَالَ: مُحَمَّد عبده ورسوله لكان أفضل؛ لأن العبودية: هي الأفضل وهي التي جاءت في القُرْآن في مقام التكريم، وهي التي قالها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ بعد ذلك قل ما شئت وكونه إمامنا وقائدنا ومولانا وسيدنا كل هذا حق، ولكن الأفضل أن تستخدم اللفظة الشرعية التي وردت هذا الأصل: لأن العبودية هي أعظم وَصفٍ وُصفَ بهِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن بالغ فيه وظن أنه يمدحه، فهذا مثل شاعر من الشعراء أعرابي بدوي يسمونه علي بن الجهم من الشعراء المشهورين في الدولة العباسية، كَانَ لا يعرف شيئاً؛ لكن شعره شعرٌ عربي فصيح؛ لكن عَلَى ما في البادية، وما يفهمه النَّاس فيها، وما يمدح به النَّاس بعضهم بعضا، فلما جَاءَ إِلَى الخليفة في بغداد وأراد أن يمدحه بقصيدة قال له :
أنت كالكلب في الحفاظ عَلَى العهد            وكالتيس في قراع الخطوب
فقالوا هذا الخليفة -أمير المؤمنين- تشبهه بالكلب والتيس! فَقَالَ لهم الخليفة: دعوه، فهذا الشاعر لا يريد إلا المدح، ولا يقصد إلا الثناء، ولم يقصد إلا الجائزة من الخليفة، لكنه بدوي مسكين يعرف التيس ويرعى الغنم، ويعرف أن الكلب هو الذي يحميها من الذئب والوفاء عند هذا البدوي متمثل في الكلب، والقوة عنده في التيس الذي يناطح الصخور والحجارة فهذا الذي يعرفه.
لكن لما اختلط بالبيئة المتحضرة قَالَ:
عيون المها بين الرصافة والجسر             جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
لما عاش في بيئة فيها نعيم بدأ بالشعر الراقي أو الشعر الحضاري، عَلَى أية حال وإن كَانَ قد لا يكون راقياً في ميزان الشرع! وأكثر الْمُسْلِمِينَ اليوم في جهل بمقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كمثل هذا البدوي في جهله بمقام الخليفة فلا يدري أكثر الجهال أن مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يمدح به أن تقول فيه: هو عبد الله ورسوله.